تزخر ولاية قالمة بكنوز تعود إلى عصور وحضارات غابرة، ومعالم أثرية تشهد على ماضي هذه المنطقة العريق، كما تعرف بآثارها الرومانية وحماماتها المعدنية وطبيعتها الخلابة، وتعددت أسماؤها من “ملاكا” إلى “كالاما” إلى “قالمة”.
تعد قالمة قطبا من أقطاب السياحة في الجزائر، حيث يتوافد السيّاح من داخل الولاية وخارجها وحتى من خارج الوطن، بدافع الفضول وحب الاستكشاف للآثار الرومانية التي تزخر بها.
من أهم المعالم الأثرية التي تزخر بها ولاية قالمة نذكر:
*- “المسرح الروماني”:
يقع “المسرح الروماني” في الجهة الغربية لمدينة ڨالمة، بُني في فترة حكم الإمبراطور سبتموس 198-211، بَنته الراهبة آنيا إيليا ستيتيرتا، وقد كلفها ذلك 400 ألف سيستر (عملة رومانية)، وهو مسرح يتّسع لحوالي 4500 مشاهدا، كان مخصّصا لعروض مسرحية وفنية، وقد تم تصنيفه سنة 1900، عرف تنظيم نشاطات ثقافية وسهرات فنية أثناء الشهر الفضيل والمناسبات الوطنية التاريخية، ويُعد “المسرح الروماني” من التحف التاريخية النادرة، ومن بين أجمل المسارح في العالم من حيث شكله الهندسي والمعماري وخصوصيات موقعه في وسط العمران، كما يُعد مكسبا سياحيا ومعلما ثقافيا بالولاية، يضم مدرجات صخرية مخصّصة لعامة الشعب، وفي جوانبه عدد من المقصورات المخصّصة للأعيان وكبار موظفي الدولة في عهد الرومان، تقابلها منصّة خشبية كبيرة، يعتقد المؤرخون أنها كانت مخصّصة لإقامة مصارعة الحيوانات المفترسة، خاصة منها الأسود في الحقبة الرومانية.
بعد استقلال الجزائر في 5 جويلية/يوليو 1962، تحوّل “المسرح الروماني” إلى احتضان كبرى الحفلات الفنية بمدينة ڨالمة خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث نشًطها كبار الفنانين العرب على غرار المطرب اللبناني الكبير وديع الصافي والفنانة السورية ميادة الحناوي، أين أعطى “المسرح الروماني” في شكله الدائري المبني بأنواع من الحجارة الضخمة، لوحات فنية مبهرة، واستمر نشاط “المسرح الروماني” إلى غاية منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ثم توقًف ليستعيد نشاطه سنة 2007 باحتضانه الطبعة الثانية من المهرجان الوطني للموسيقى الحالية قبل أن تقرر السلطات المحلية وقتها غلقه بحجّة التخوف من تعرّضه للانهيار.
*- حديقة “كالاما” الأثرية:
تقع الحديقة الأثرية “كالاما” بقلب مدينة ڨالمة بجانب “المسرح الروماني”، مشكلين بذلك مركبا سياحيا أثريا يكون مقصدا لمختلف الزوار، تم تدشينها لأول مرة سنة 2003، حيث خضعت لعملية تأهيل كبيرة، شملت تنظيف الأروقة وتقليم أغصان الأشجار، إضافة إلى تعيين حراس وتجنيد مرشدين لمرافقة الزائرين وتعريفهم بمختلف القطع الموجودة.
تضم الحديقة الأثرية “كالاما” ما يقارب 200 قطعة أثرية أغلبها يعود إلى العهد الروماني، والجزء الآخر يرجع إلى العهد البوني الليبي، وتتنوّع هذه القطع بين ناقشات جنائزية وتشريفية لأباطرة وشخصيات مرموقة وعناصر زخرفية من أعمدة ونصب وطاحونات رومانية وتماثيل، وتظهر الحديقة في مخططها العام على شكل مربع يحتوي على مساحات خضراء، تتخللها تسع ممرات تؤدي كلها إلى محور دائري، بشكل متجانس مع محور المسرح الروماني المحاذي للحديقة.
يُذكر أن السلطات المحلية بڨالمة خصّصت منتصف تسعينيات القرن الماضي من أجل تمكين السيّاح من التعرّف أكثر على تاريخ المنطقة وموروثها الثقافي، فضاء مغلقا بجانب “المسرح الروماني”، تمثل في إنشاء حديقة أثرية عمومية، أطلق عليها اسم حديقة “كالاما” الأثرية، وهو الاسم القديم لمدينة ڨالمة في عهد الرومان، حيث تم تجميع فيها أغلب القطع الأثرية الرومانية التي كانت مرمية لتماثيل رخامية تمثل أهم الشخصيات التاريخية خلال الحقبة الرومانية.
*- المدينة الأثرية “تبيليس”:
هي آثار رومانية توجد ببلدية “سلاوة أعنونة” على بعد حوالي 30 كلم جنوب غرب عاصمة الولاية، هي مدينة رومانية تحتوي على قوسي مدخلين، شارع مبلط، منزل، سوق، حمامات، معبد ومنشآت عمومية وبها كتابات رومانية، وهي بوابة مزدوجة، وتعتبر الوحيدة في شمال إفريقيا، صنّفت سنة 1952.
اكتشفت آثار “تبيليس” لأول مرة، في شهر جانفي 1725 من طرف الطبيب الفرنسي جان اندري بورسوميل، وهي بوابة مزدوجة، وتعتبر الوحيدة في شمال إفريقيا.
تم في السنوات القليلة الماضية، تعبيد الطريق المؤدي إليها، وإطلاق عملية ترميم لأبوابها العملاقة وتنظيف أرصفتها وشوارعها، ووضعها تحت الحراسة، وتشهد المدينة الأثرية توافد مئات السياح من طلبة وباحثين ومهتمين بالتراث المادي القديم للاطلاع والبحث في بقايا حضارة عريقة.
*- “المقبرة الميغاليثية”:
تقع ببلدية الركنية، على بعد 35 كلم غرب عاصمة الولاية، وعلى بعد 15 كلم شمال دائرة “حمام الدباغ”، يوجد بها 3 آلاف قبر جنائزي تتراوح بين 80 سم إلى 3 أمتار طولا وبين 50 سم إلى 1.70 مترا عرضا، وهي مملوءة بعظام الموتى وبقايا هياكل بشرية، عُثر عليها سنة 1867، حيث عُثر على 37 هيكلا عظميا وجماجم للسود وجمجمة لامرأة مصرية، كما عثر بها على 148 آنية، وتعتبر بذلك “المقبرة الميغاليثية” الثانية بعد مقبرة “فاستل” بولاية تبسة من حيث عدد الأواني، فضلا عن بقايا تمثلت في الخواتم والأساور التي بلغ عددها 19 سوارا.
*- “غار الجماعة”:
يقع في جبل “طاية” ببلدية “بوهمدان”، هو عبارة عن مغارة قامت باكتشافها بعثة فرنسية سنة 1967، يبلغ طولها 1200 مترا وعمقها 200 مترا، بها ممرّات وأروقة وبيوت، وقد تم اكتشاف عظام وآثار كتابية يرجع تاريخها إلى 8 آلاف سنة قبل الميلاد.
يقال أن التسميّة تعود إلى العهد الروماني، نسبة للجماعة التي كانت تزور المنطقة للتعبّد وتقديم القرابين للإله باكاكس، كما يُقال أن التسميّة تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي، عندما كان المجاهدون الجزائريون يستغلون المغارة كقاعدة خلفية لهم، لتنفيذ عملياتهم الفدائية والاختباء من الجيش الفرنسي، وتوجد داخل المغارة صواعد ونوازل، كما توجد بها أشكال صخرية لحيوانات، وأخرى لأشجار صخرية، بها ممرّات وأروقة وبيوت، تحوي بين جنباتها الصخرية المظلمة، مناظر طبيعية مدهشة بألوان فاتحة وأخرى مزركشة في خليط بين البني والأصفر والرمادي والأبيض، في أشكال رائعة منتصبة بين مجاري وأحواض مائية عذراء، وعلى جنبات تلك القاعات، توجد شلالات مائية أشبه بشلالات حمام الدباغ.
*- “مقبرة شنيور”:
تقع “مقبرة شينيور” ببلدية عين العربي على بعد 30 كلم جنوب قالمة، عبارة عن قبور صخرية كبيرة الحجم يرجع تاريخها إلى فترة فجر التاريخ، حيث تتنوّع هذه المعالم على مرتفعات وتلال المنطقة المحاذية لوادي شنيور، ويقدر عددها الإجمالي بأكثر من 3 آلاف مصطبة.
*- “خنقة لحجر”:
عبارة عن صخرة بها رسومات ونقوش جدارية تمثل أشخاصا وحيوانات مختلفة، يعود تاريخها إلى فترة ما قبل التاريخ، تقع في مدخل “واد بوالفرايس” المحاذي لوادي “الشارف” بمنتصف المسافة تقريبا بين بلديتي سلاوة أعنونة وعين مخلوف.
*- “عين النشمة”:
يقع الموقع الأثري “عين النشمة” ببلدية بن جراح جنوب قالمة، شهد تعاقب حقبات تاريخية وحضارية عليه من نوميدية، فينيقية ورومانية.
“تبربوزيتانوس” هو الاسم القديم للموقع، حمل تسميّات أخرى على التوالي: هنشير، حوش وبرج بونار نسبة للشيخ بونار، مزرعة جورج شوشانا أو جوزيف قويس، نسبة لملاك الفترة الاستعمارية، وحاليا، يسمّي بتحصيص سكني “حريدي السعيد”.
*- “كاف بوزيون”:
يقع في بلدية بوحشانة، يظهر عليه أنه كان قاعة أو مدينة رومانية محصّنة، به أثار واضحة لصور من الحجارة الضخمة المنحوتة، وجدت به عدة بقايا لمدينة رومانية تدعى بلدية زتارا، ربما كانت متواجدة قبل الرومان نظرا لوجود نقوش بونية حسب المصادر، حيث يوجود مجلس بلدي وساحة عمومية من خلال النقشية.
*- “قلعة بوعطفان”:
تقع القلعة ببلدية عين العربي، تعاقبت عليها حضارات فينيقية، رومانية ثم بيزنطية، وجدت بها مجمّعات سكنية ومنشآت أخرى، بالإضافة إلى مقابر رومانية، ويتضمّن هذا الموقع على عدد كبير من الأنصاب، والتي كانت قد أحصيت، وتم جردها ضمن مجمع “الكتابات اللاتينية للجزائر” من قبل ستيفان قزال، من النصب رقم 560 إلى غاية النصب رقم 757، أي تعداد 197 نصب جنائزي، تحتوي على 335 حقل ايبيغرافي منه، 50 تسمية ثلاثية التركيب، 158 تسمية ثنائية التركيب و127 تسمية أحادية التركيب، فيما تم إحصاء حوالي 63 تسمية ذات أصول محلية.
*- “المسبح الروماني”:
يقع “المسبح الروماني” بقرية حمام برادع ببلدية هيليوبوليس، بمحاذاة الطريق الولائي رقم 21 الرابط بين ولايتي ڨالمة وعنابة، هو معلم روماني دائري الشكل، بناه الرومان قبل آلاف السنين، وتعاقبت عليه حضارات وأمم كثيرة، بُني بالحجارة المصقولة بقطر 36 مترا، يتزوّد من منبع مائي طبيعي درجة حرارته تصل إلى 35 درجة مئوية، تمت التنقيبات الأثرية به سنة 1900 من طرف عالم الآثار جولي الذي نقل العديد من القطع الأثرية التي وجدت على مقربة من محيط المعلم إلى متحف ڨالمة، وقد استُغل للسباحة من طرف المعمرين خلال تلك الفترة.
كان من المتوقع، أن تتخذ السلطات المحلية بقالمة، تعهدات بإعادة تأهيل “المسبح الروماني” على عاتق الأموال المحلية المتمثلة في المخططات البلدية للتنمية ببلدية هيليوبوليس، مع اعتبار مواصفات المسبح، وذلك من أجل خلق قطب صغير للسياحة، وخلق موقع ترفيهي للعائلات يكون مهيأ بكل ما حوله، ويمكن أن يكون هذا الموقع السياحي، إضافة للولاية في مجال السياحة، والثاني للترفيه بالولاية بعد موقع “الشلال” بحمام الدباغ.
*- موقع “هنشير الحمام” (بلحشاني حاليا):
يتضمّن هذا الموقع على عدد معتبر من الأنصاب والتي أحصيت، وتم جردها ضمن مجمع “الكتابات اللاتينية للجزائر” من قبل ستيفان قزال.
وبالتالي، يمكن التأكيد على أن بعث السياحة من جديد في هذه المنطقة بالذات، قد يخلق قطبا سياحيا مهمّا في الولاية، مما يفتح المجال على الاستثمار السياحي الذي قد يساهم في خلق مناصب شغل ويساعد على التخفيف من شبح البطالة، الأمر الذي يستوجب على الجهات المختصة ترميم وتفعيل هذه المعالم الأثرية للنهوض بالسياحة في قالمة.
وردة زرقين