مختصون: على الآباء اختيار أسماء مطمئنة للنفوس
المجتمع لايزال يصرّ على بعض الأسماء الغريبة
❊ حذار من أسماء تثير الغواية وتتّسم بالرخاوة والتخاذل
❊ الاسم معلم أساسي يتفاعل معه المجتمع بحكم الدلالات
يبدو أن التطوّرات السريعة التي يشهدها العالم، عمدت لإزاحة الكثير من العادات والتقاليد التي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من حياتنا؛ منها تسمية المواليد الجدد، التي تحولت إلى أسماء غريبة ودخيلة عن مجتمعنا، لتختفي، بالمقابل، أسماء أخرى عربية إسلامية، لها معان ودلالات قيّمة؛ على غرار خديجة، وزينب، وميمونة، وعائشة، وفاطمة، وعتيقة، وحفصة وغيرها؛ إذ أضحت الفتيات يتضايقن من هذه الأسامي، ويرفضنها باعتبارها لا تتماشى مع الحاضر، وأطلقن على أنفسهن أسماء مستعارة تتماشى مع الموضة، فجاء بدلها إلين، وروزا، ولارا، ومايا، ونادين، وسيلين وغيرها، من أسماء نجوم ونجمات المسلسلات.
وقد شهدت أروقة المحاكم قضايا الطلاق بسبب الاختلاف في الرأي، وتشبّث أحد الأطراف بتسمية أحد الأبناء على أسماء الأجداد، وهو ما يراه الطرف الآخر لا يتماشى مع الموضة. ولمعرفة التفاصيل الحاصلة في هذا التغير، وعن التبعية الثقافية للغرب في الأسماء، تواصلت “المساء” مع مختصّين لإبداء الرأي.
أكد البروفيسور حبيب مونسي من جامعة سيدي بلعباس، أن الأسماء الأعجمية الجديدة التي بدأت تلتصق بأبنائنا، هي من تسمية الأمهات والآباء؛ لأنهم ارتضوا تسمية أبنائهم بها ظنا منهم أنهم يقدّمون لأبنائهم أحسن الأسماء وأفضلها، مع أنهم يعلمون أنه جاء في الأثر، أن خير الأسماء ما حُمِّد وعُبِّد. غير أن غلبة التيارات الثقافية الوافدة على هشاشة الثقافة المحلية، صنعت هذا الانحراف في أسماء الجيل. وأضاف: “أحدهم حدّثني ساخرا فقال: “أنا لا أتصوّر غدا كيف يُنادَى على جدة قد بلغت من العمر عتيا، مثل شهيناز، وسوسو، وغير ذلك من الأسماء التي نستملحها لما تكون في الصبية، ولكنها ستكون مستهجنة، حتما، في كبر الذين يشعون وقارا وفضلا؛ فكيف بهم إذا كانوا ممن يتصدّرون المجالس كالشيوخ، والأساتذة، والأطباء، وغيرهم، أو من كانوا يحكمون البلاد؟! “، وقال موضحا: “إننا نعتقد جازمين أن الذي يسمّينا هو الله عزّ وجلّ، ولانزال نقول لبعضنا البعض في حديثنا العادي ذلك حينما نطلب من أحدهم اسمه، فنقول: “كيف سمّاك الله؟”، ونحن لا نشكّ البتة في أن المُسمِّي هو الله، وأن اختيار الأب أو الأم إنّما يقع على ما اختاره الله من أسمائنا “.
وأشار مونسي إلى قصة الأديب محمد ديب صاحب الثلاثية، “الدار الكبيرة”، و«النول”، و«الحريق”، الذي أثرى المكتبة العالمية بعد ذلك، بسلسلة من الروايات والنصوص والدواوين، فعُرف من خلالها أنه الأديب الجزائري ذو الطابع العالمي، الذي عرف كيف يرفع الثقافة المحلية إلى مصاف العالمية؛ من خلال لوحاته الرائعة عن الإنسان الجزائري؛ إذ تصادف أن عرض عملا روائيا على دار من دُور النشر الفرنسية في مطلع ستينيات القرن الماضي، فطلب منه صاحب الدار بخبث، أن يغيّر اسمه، وأن يكتب تحت اسم مستعار كما يفعل كثير من الكتّاب الكبار، بحسب زعمه، غير أن الأديب تفطّن إلى المكر الذي كان يغلّف الطلب، وأن الدار ثقل عليها أن تكتب اسم “محمد” على غلاف كتاب تطبعه، ومن ثمّ راحت تتحايل على الأديب الذي بدأت تعرف قدره، أن يكتب تحت اسم مستعار تختاره له يكون بعيدا عن اسم “محمد”، لكن الأديب الجزائري الذي يعرف الفرنسي وثقافته ونزعته الاستعمارية الصليبية، قال له بكل ثبات: “إني لا أستطيع تغيير اسم سماني به الله عزّ وجلّ”، فوقف الفرنسي مشدوها؛ لأنه لا يعلم هذه الحقيقة في دين المسلمين. وتَشبّث الأديب باسمه، وطبع نصوصه بهذا الاسم حتى توفّاه الله عزّ وجلّ.
الدكتورة رزيقة طاوطاو: دلالة اسم المولود الجديد تعكس ثقافة المجتمع
أوضحت الدكتورة رزيقة طاوطاو من جامعة “العربي بن مهيدي” بأم البواقي، أن الاسم يعكس ثقافة الفرد والمجتمع؛ فهو يعبّر عن صفات وفواعل ودلالات ومحمولات؛ كالفرح، والنماء، والبسطة في الجسم، والعقل؛ كالقدرة على مواجهة صروف الزمن، والدلالة على ما في الكون من جمال يبعث على الانشراح. فالاسم يُعد معلما أساسيا يتفاعل معه المجتمع بحكم الدلالات التي يتضمّنها؛ فهو يعكس هوية المجتمع، وهو أول انطباع عن الشخص. وبه يُعرف. وبفضله يُتداول. ويشار به عليه. ويدل به عليه، فيبقى مع الإنسان طوال حياته وبعد مماته، وبالتالي يجب على الآباء تسمية أبنائهم أسماء مطمئنة للنفس، تدل على المواظبة على الطاعات، وتجنّب المعاصي، والتسامي في الفضيلة ومكارم الأخلاق.
وقالت المتحدثة إن الأمم المتحضّرة تحرص على التميّز عن غيرها من الأمم بالقيم التي تحملها أسماء الأولاد؛ فاسم المولود أضحى كالثريا التي تمثل مركز الإشعاع على الآخرين. ومع التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم والتطوّر التكنولوجي والإعلامي والانفتاح على الآخر، عرفت أسماء المواليد الجدد في بلادنا، تطوّرا وتغيّرا مذهلا، شمل الكثير من المجتمعات. وبدأت بعض العادات والتقاليد والممارسات تندثر، فظهرت في الآونة الأخيرة أسماء غربية وظواهر مرضية، تنمّ عن التقليد، والتغريب، وخاصة تقليد أسماء الغربيين ذكورا وإناثا. كما طرأت تغيّرات في منظومة التفكير والقيم؛ ما انجرّ عنها ظهور أسماء غريبة. وأضافت قائلة: “إننا صرنا نسمع أسماء غربية لا تفصح عن الهوّية الإسلامية، وهي مسمّيات لا تكشف هويتهم في حالة الهجرة والسفر إلى أوروبا مثل: روزا، ومنيلا، وفلوريا، وسيرين، وإلين، ويارا، ولارا، وسيلين، ومايا، وأسماء أخرى أعجمية؛ مثل: نيفين وشيرين. وأسماء أخرى تافهة مثل زوزو، وفيفي، ونونو. وأسماء للذكور مثل راني، وتاني، ورسيم، وأخرى مثيرة للغواية، تتّسم بالرخاوة والتخاذل؛ مثل هيام، وناهد. وأسماء مؤذية للسمع والبصر، وأخرى تحمل معاني الرذيلة، وغيرها غريبة مثال سالي؛ فهذا الاسم يطلَق على إعصار يضرب سواحل أمريكا! والسبب راجع إلى المسلسلات التي تدمن على مشاهدتها بعض الأسر.
وذكّرت المتحدثة بأن ديننا الإسلامي الحنيف يحرص على حسن انتقاء الاسم للمولود الجديد، فيضع لذلك آدابا وضوابط. كما ذكّرت بالقوانين التي تصدر في الغرب، وتنص على ضبط اختيار أسماء المواليد؛ حتى لا تخرج عن تاريخهم، ولا تتعارض مع قيمهم الوطنية. وفي هذا الصدد أكدت أننا أحق بضبط الأسماء، ونحن أمة الإسلام ” خير أمة أُخرجت للناس “، مستشهدة بالحديث الشريف: “إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم” .
أما من الجانب القانوني، فأشارت إلى أن بلادنا تشهد، حاليا، فراغا قانونيا في مجال المعجم الوطني لأسماء المواليد الجدد، فبعد تحيين قانون رقم 74 من قانون الحالة المدنية، تم اعتماد قانون سنة 2012، فإن المجتمع لايزال يصر على بعض الأسماء الغريبة، ويدخل في صراع مع موظفي الحالة المدنية.
الأستاذة نسيمة شرلاح: لا بدَّ من تعزيز الوعي بترسيخ الأسماء الجزائرية
أوضحت نسيمة شرلاح، الكاتبة والإعلامية والأستاذة بكلية الحقوق “سعيد حمدين”، جامعة الجزائر 1، أن تسمية المولود الجديد تُعد بشكل عام، حرّية شخصية للأبوين. ويحق لهما اختيار اسم لطفلهما وفقا لمعتقداتهم وتفضيلاتهم. غير أنّ هذه الحرية تخضع لبعض الضوابط القانونية والاجتماعية التي قد تختلف من منطقة لأخرى؛ إذ يتعيّن على الأسماء المختارة، أن تتماشى مع القوانين المحلية، التي تهدف إلى الحفاظ على الهوّية الثقافية والدينية؛ فاختيار الاسم من أهم مسؤوليات الأبوين تجاه طفلهما، وهو واجب تربوي وأخلاقي، وحق كفلته كل الشرائع والنظم والقوانين. وأضافت أن بعض الآباء يحرصون على تسمية المولود باسم الجد أو الجدة؛ اتباعا للعادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع الجزائري، متجاهلين إن كان هذا الاسم يتناسب مع أطفال جيله ووقتنا الحاضر، ولِما قد يحمل من سلبيات على نفسية الطفل بين أقرانه. وأضافت: ” بالمقابل، يحدث جدل بين الفينة والأخرى في مصالح الحالة المدنية بين المواطنين والأعوان الإداريين، في الأسماء الجديدة والغريبة “. ويرجع هذا، حسب رأيها، إلى الفراغ القانوني الذي تعرفه الجزائر في هذا المجال، موضحة أن المواطن يَعد نفسه حرّا في تسمية أولاده، بينما يعتمد الموظفون على المادة 64 من قانون الحالة المدنية، والتي تشترط أن يكون الاسم جزائريا مدوّنا في المعجم الوطني للمواليد الجدد، والذي اعتمدته الدولة سنة 1981. وهي الفترة التي عرفت فيها الجزائر تغيّرات اجتماعية وثقافية وسياسية؛ إذ شهدت تغيّرا في منظومة التفكير والقيم، وحتى في أنماط الحياة التي يُعد الاسم جزءا منها. وسعيا لوضع حدّ لهذا الجدل قرّرت وزارة الداخلية سنة 2010، مراجعة وتحيين المعجم الوطني لأسماء المواليد الجدد، واعتمدت بداية سنة 2012 كآخر اعتماد، المعجم الجديد الذي قيل إنه يحتوي على جميع الأسماء الجديدة التي ظهرت منذ سنة 1981، وذلك بعد انتهاء اللجان الولائية من تحيين وإحصاء الأسماء التي أُدخلت على السّجل الوطني، والذي يخضع، حسب تعليمة وزارة الداخلية، للأمر الرئاسي الصادر عام 1975 الخاص بالقانون المدني، والذي يقرّ بوجوب أن “تكون الأسماء جزائرية، وقد تكون خلاف ذلك بالنسبة للأطفال المولودين من أبوين غير مسلمين”.
وأشارت المتحدثة إلى أن القانون المدني الجزائري وضع ضوابط لضمان توافق الأسماء مع الهوية الثقافية والدينية؛ لأنّ الأسماء التي تحمل دلالات ثقافية أو دينية، يمكن أن تكون أكثر قبولاً؛ فالاسم هو واجب تجاه السلطة؛ حتى تتمكّن من تنظيم وتسيير المجتمع. وفي هذا السياق جاء في الفصل الثالث من مبادئ حقوق الطفل في القانون الدولي، “يجب أن يكون للطفل منذ ولادته، الحق في أن يُعرف باسم لائق، وبجنسية معيّنة” . كما إنّ للاسم مكانةً مهمّة في التشريع الوطني الجزائري؛ بحيث أسّس له المشرّع حماية قانونية خاصة، وهذا بفرض إعطاء حق الاسم؛ فمن حق الطفل أن يكون له اسم، ومن حقه أيضا اختيار الاسم الحسن الذي يمكّنه من الاندماج في المجتمع بشكل سلس وسليم، ولهذا جعلت الشريعة الإسلامية لهذا الحق ضوابط لا يجوز تجاوزها. وانتهج المشرّع الجزائري الشيء ذاته، فوضع شروطا لهذا الاسم؛ من أجل مصلحة الطفل، ومصلحة المجتمع، خاصة أنّ الاسم يدل على هوية الوطن، ويعكس تاريخ وحضارة الأمة، ويترجم حاضر ومستقبل البلاد؛ فمن الحقوق المقرّرة للشخص، حقه في أن يكون له اسم ولقب مثلما توجبه المادة 28 من القانون المدني، والقانون يرتب له الحماية. ويكون لصاحب اللقب والاسم رفع أي اعتداء على لقبه، بالطرق المقرّرة قانونا.
وبخصوص قانون الحالة المدنية أوضحت أنه أشار في الفقرة الأولى من المادة 64، إلى أنّه يختار الأسماء الأب أو الأم. أو في حالة عدم وجودهما المصرّح، والمصرّح به حسب المادة 62 من ذات القانون، هو كل من “الأب أو الأم أو الأطباء والقابلات، أو أي شخص آخر حضر الولادة. وحسب المادة 64، للأبوين مطلق الحرّية في الاختيار، مع ضرورة مراعاة شرط وجوب أن تكون الأسماء جزائرية، وهذا ما نصّت عليه المادة 28/2 من القانون المدني الجزائري. وقد يكون خلاف ذلك بالنسبة للأطفال المولودين من أبوين غير مسلمين” ، المراد بالعبارة أنّ الأبوين الأجنبيين المقيمين بالجزائر، يجوز لهما تسجيل مولودهما. كما تُمنع الأسماء غير المخصّصة في الاستعمال والعادة، وهو ما نصّت عليه الفقرة الثالثة من المادة 64 من القانون المدني.
وللحفاظ على الأسماء العربية الجزائرية القديمة، دعت إلى تعزيز الوعي الثقافي والتعليم حول أهميّة هذه الأسماء ودلالاتها، والترويج لاستخدام الأسماء العربية؛ من خلال وسائل الإعلام والمجتمع، بالإضافة إلى تشجيع الأهل على تبنّي هذه الأسماء، وتعليم الأطفال قيمها ومعانيها.
الدكتور سفيان لشهب: لا بدّ من التحسيس بخطورة التبعية العمياء للغرب
قال الدكتور سفيان لشهب من جامعة “مولود معمري” بتيزي وزو، إن المرجعيات الثقافية لعبت دورا مهمّا في إطلاق الآباء أسماء أبنائهم؛ إذ تختلف التسمية من أسرة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر، بحيث كانت الأسر الجزائرية متمسّكة بأسماء الأجداد والجدّات كالضاوية، وأم الخير، ومسعودة، وبركاهم وغيرها، وهي أسماء تثبت هوّيتنا العربية والأمازيغية. وتم استبدالها بأسماء مستحدثة مثل ليليان، وليتيسيا، وملينا وغيرها، وهي أسماء غريبة. ووفق هذه المتغيّرات قال إن المجتمعات باتت تصارع من أجل الحفاظ على هوّيتها في زمن يتقبّل فيه الإنسان كل ما هو جديد بحجّة التطوّر والتقدم والتبعية العمياء للغرب، وبفعل الاحتكاك غير المدروس من قبل الأفراد، الذين تأثروا بالحداثة والعولمة المفرطة، خاصة منها متابعة الأفلام والمسلسلات والبرامج الغربية الدخيلة عن المجتمعات العربية والإسلامية. وأضاف قائلا: “من يدرك خطورة التبعية العمياء للغرب يدرك الخطر الذي يتوغّل في حياتنا، وفي مستقبل الأجيال القادمة، التي تتشبّع بالأفكار الغربية بدءا بالاسم، والدين، والأكل، والعقل”.
ونظرا للأهميّة التي يحملها الاسم في المجتمع الجزائري فقد شدّدت مصالح الحالة المدنية على الأولياء، تسمّية أبنائهم بمسمّيات مقبولة، لا تنافي الأعراف والتقاليد الاجتماعية، ورفض أي اسم غريب عن المجتمع الجزائري، قد يؤثر سلبا على الفرد أو المجتمع. وعلى هذا الصعيد، يرى الدكتور لشهب أن الأولياء والمختصّين في المجال الاجتماعي؛ من أساتذة، ودكاترة، وأئمة، وكل القائمين على الجوانب المتعلقة بالمجتمع وقضاياه، مجبَرون على التحسيس بخطورة التبعية العمياء للغرب، والتي تقودنا إلى عواقب وخيمة، تبدأ بأسماء أبنائنا وبناتنا، وتنتهي في يوم من الأيام، إلى أمور أخرى لا نستطيع التحكم فيها.
زردة زرقين