*- الجانب التقني في السينما الجزائرية طغى على الموضوعاتي
* المشوار كان طويلا وفيه تجربة، لكن ليس بالقدر الذي كنتُ أطمح إليه
*- لا تهمّني الشهرة بقدر ما تهمني الاحترافية
*- السيناريوهات المتداوَلة تحاول تلبية رغبة الجمهور في الترفيه والمتعة فقط
هي ممثلة جزائرية، سطع نجمها منذ منتصف الثمانينيات، وتألقت مع بداية الألفية الثانية، مشوارها غني ومليء بالنجاحات، حيث برزت في عدّة أدوار في مسلسلات وأفلام جزائرية استقطبت المشاهدين، منها “ثمن الحلم” ، و”حنان امرأة” ، و”البذرة” ، و”المشوار”، وأعمال أخرى، كما أبدعت على خشبة المسرح، فكتبت اسمها في تاريخ الفن الجزائري بحروف من ذهب، إنهّا الفنانة رانيا سيروتي التي التقبناها، وكان هذا الحوار.
*- تم اختيارك مؤخرا، محافظة مهرجان المسرح النسوي في عنابة. كما تم تعيينك مديرة دار الثقافة “رشيد ميموني” بولاية بومرداس. ألا ترين أنّها مسؤولية كبيرة على عاتقك؟
حقيقة، مسؤولية المهرجان كبيرة جدا، لأنّ الانتقاد يجعل مني الأحسن والأفضل، أما من الجانب التنظيمي، فسأحاول أن أكون في المستوى، وأنا متيقنة أن الدور الحقيقي لمحافظ المهرجان هو رفع المستوى، يعكس من خلال الشخصيات المشاركة، والإضافات، من أفكار، وتبادلات، وانطباعات، واختيار الحضور، لإعطاء صورة جميلة ومشرّفة للوطن، ومشرّفة، أيضا، للمجال الفني والفنانين الجزائريين، وإذا استمررتُ فسيكون المهرجان في كل مرة، بوجه جديد، وإضافة جديدة، على أن تكون كل القرارات جماعية بعد المناقشة، للمساهمة في رفع المستوى في الميدان الثقافي والفني.
كذلك تعييني مديرة دار الثقافة مسؤولية كبيرة، لكن أنا اشتغلت سابقا وفي مقتبل العمر، مديرة في ولايتي بجاية وباتنة، وبعد هذه التجربة أشعر أنني أكثر نضجا، وسأعمل على تقديم كل ما هو أفضل، والمنصب، بالتحديد، يتطلّب ازدواجية بين دراية كاملة من الجانب التنظيمي الإداري، والجانب الفني الثقافي، وأنا ذات كفاءة في هذا الجانب، ومتحصّلة على شهادات في التنظيمات السياسية الإدارية، وشهادات لتسيير المرافق الثقافية في مونبيلي بفرنسا بالتعاون مع جامعة بوزريعة بالجزائر العاصمة، وأيضا لي شهادات في النقد السينمائي من سيدي بلعباس، والفنون الدرامية من برج الكيفان، بالإضافة إلى كل تجربة إدارية حققتها على مستوى مختلف الوزارات ووزارة الثقافة والفنون التي لازلتُ تحت وصايتها كمفتشة ثقافية فنية.
*- إلى حد الآن، كيف تقيّمين مشوارك الفني؟
مشواري الفني كان صعبا نوعا ما؛ لأنني كنتُ بين نارين، من جانب المهنة واختصاص يضمن لي حياة مستقرّة، خاصة أنه تم توظيفي في مجال تخصصي بعد تخرّجي من الجامعة مباشرة. ومن جهة أخرى، كان شغفي بالسينما والمسرح، وكانت عندي رغبة كبيرة في ممارسة الفن، وبالتالي كنتُ مضطرة للاختيار بين المهنة والفن.
وبخصوص تقييمي الميدان الفني كمشوار، أقول إنّ فيه صعوبات وحواجز اجتماعية ومادية، وكان غير واضح المعالم خاصة خلال العشرية السوداء، ولما بدأت تتضح المعالم بعد تلك الفترة رغم أن الإنتاج الفني الذي كنتُ أطمح إليه لم يكن وفيرا آنذاك كما لم تكن هناك فرص كثيرة والاحتكاك الكبير مع فنانين كبار على المستوى الدولي والتعرّف على الجماهير العربية والدولية، فقد شاركت في إنتاجين اثنين على المستوى العربي والدولي. وعموما، المشوار كان طويلا، وفيه تجربة، لكن ليس بالقدر الذي كنتُ أطمح إليه.
*- وهل حقّقت طموحاتك في مجال الفن؟ وإلامَ تطمحين؟
لم أحقّق بعد طموحاتي في الميدان الفني، لكن، الحمد لله، لديّ جمهور يحبني وأحبّه. وطموحاتي أن أبرز في ميدان المسرح، وفي الأفلام السينمائية أكثر من الأفلام التلفزيونية والمسلسلات التي تُخصّص، عادة، لشهر رمضان الكريم. أطمح إلى أفلام سينمائية تُعرَض في المهرجانات الدولية للاحتكاك أكثر بالفنانين العالميين، ومقابلة جماهير بذهنيات مختلفة، وهنا تكون لي تجارب أكبر، ويمكنني تقييم مشواري الفني.
*- إذن، كيف تنظرين إلى الشهرة؟ وهل تعني الاحتراف؟
لا تهمّني الشهرة بقدر ما تهّمني الاحترافية؛ فالتجارب مهمة جدا في بلادي وفي البلدان الأخرى؛ حتى يكون لديّ احتكاك وخبرة أكبر يمكن تجسيدها في الأدوار الأكثر اكتمالا،
ويمكن القول إن الاحترافية قريبة من الشهرة، لكن إذا وقع الاختيار بين الشهرة والاحترافية فمن دون تردّد سأختار الاحترافية، لأن الشهرة يمكن أن تكون قائمة على أسس غير مهنية، ويتوفّر المال والجسد والجمال، لكن كلّ هذا لا يمكن أن يجعل الفنان احترافيا.
*- وبالنسبة لعالم النجومية؟
عالم النجومية أحسّه تجاريا ومصطنعا دون قيم، ولا يعكس الأحاسيس الصادقة، لأنّ الجيل الجديد من الممثلين (أقول ليس كلّهم ولكن غالبيتهم) يولون أهمية كبيرة للجسد، والماديات، والصور، والأزياء، والظهور أمام الكاميرا؛ حتى أصبح الممثل لا يقدّم أدوارا بصدق داخل قصة وإنّما يعيش دورا داخل دور فقط.
*- ما هي الأدوار الأقرب إلى قلبك؟ وهل أنت مستعدّة لأداء أدوار في الفكاهة خاصة وأن الجمهور ألفك في تقمّص أدوار درامية؟
الأدوار القريبة إلى قلبي، هي الأدوار الواقعية، والتي تكون من المواضيع المعاشة اجتماعيا، وأحسّ بها، أما الخيال لا أميل إليه، فأنا أميل إلى الأفلام الواقعية والاجتماعية والتاريخية، علما أنني لم أتقمّص كل الأدوار، تقمّصتُ أدوارا تراجيدية وأحب الأدوار الفكاهية، ولكن في المسرح قمتُ بأدوار كوميدية ولاقت استحسان الجمهور، وللأسف، الأدوار التي تُعرّض عليَّ دائما، أدوار درامية وتراجيدية، أما شرطي الوحيد في الفكاهة أن لا تكون الأدوار ساذجة، أي “التهريج”، بل أدوار عبارة عن مواقف، وبصفة عامة، أنا متعطّشة لكل الأدوار، هناك ملاحظة لا بد أن أشير إليها، وهي أن المخرجين لم يألفوا أدوارا معيّنة لفنان أو شخصية معيّنة، يقترحون عليها دائما نفس الأدوار، لأنهم يتجنّبون المغامرة لأداء أدوار جديدة.
*- كيف تختارين أدوارك؟
أوّل شيء مهمّ لي هو السيناريو، وأن يكون مكتوبا بطريقة أكاديمية، وأن يكون العمل قائما على أسس، حيث تكون هذه الأسس متوفرة لبناء الشخصية بطريقة صحيحة، سواء من الملامح الداخلية أو الخارجية، وحتى العلاقة مع مختلف الأطراف المتعامل معهم،
يهمّني، أيضا، الهدف من السيناريو في حدّ ذاته. ومن الجانب الإيديولوجي، أن يتبنّى أفكارا إنسانية، والدور الذي لا يعكس قناعاتي ومبادئي أرفضه، خاصة إذا كان الدور ليس هادفا.
*- في هذا الصدد، ما هو رأيك في السيناريوهات التي تُكتب حاليا؟
مختلف السيناريوهات المتداولة في السوق حاليا، تحاول تلبية رغبة الجمهور في الترفيه والمتعة، لكن من الجانب التعليمي والتنشئة الاجتماعية غير مأخوذة بعين الاعتبار، خاصة في الجزائر. وعلى هذا الأساس أختار الدور.
*- كيف تقيّمين السينما الجزائرية؟ والسينما العربية؟
السينما الجزائرية شهدت قفزة كبيرة ونوعية من الجانب التقني، لأنّ الشباب الصاعدين حاولوا التركيز خاصة على الجانب التقني بأفكار جديدة، وهذا شيء جميل. لكن التركيز والاهتمام فقط على هذا الجانب، يحدث خللا، خاصة المواضيع التي لا تعكس الاهتمامات الحقيقية للمجتمع الجزائري رغم أنّ هناك بعض المواضيع في المستوى، فالتركيز على الجانب التقني طغى أكثر على الجانب الموضوعاتي.
أما بالنسبة للسينما العربية فأعتقد أن الأفلام هي تقليد لكلّ ما هو أوروبي وأجنبي أكثر منه البحث عن الذات، وبالمقابل، نرى الأفلام السينمائية الإيرانية والتركية رائعة جدا، فالمخرجون والمنتجون الأتراك والإيرانيون يحاولون في كل مرّة، انتهاج طريقة خاصة بهم، ولا تشبه التوجهات الأوروبية والأمريكية.
*- وهل السينما الجزائرية والعربية بصفة عامة تقوم بدورها المنوط بها؟
أفضّل لو تبتعد الأفلام الجزائرية والعربية عن التقليد، وتحاول البحث عن ذاتها الحقيقية، وتنطلق من الواقع المعيش، ونحن كعرب لدينا خصوصياتنا وانشغالاتنا وأمورنا يمكن أن ننطلق منها، وتجعلنا منفردين على المستوى العالمي، خاصة أنّ لدينا خصوصيات لا نجدها في بلدان أخرى، حبّذا لو أن السينما الجزائرية والعربية تعكس كل هذه الأمور الغنية جدا، والتي يسعى الأوروبي أو الأمريكي للتعرّف عليها.
*- هل هناك مشاريع في الأفق؟
لديّ طموحات كبيرة، وسأحاول تقديم الأفضل قدر المستطاع، دون أن أنسى المنطلق باعتباري ممثلة، أكيد الرجوع إلى التمثيل في مناسبات من خلال أفلام سينمائية ومسرحيات، وهناك مشاريع في الأفق، لكن أنا شغوفة، حاليا، بالعمل في الورشات، والتنقل بين العمل الإداري والورشات، وكذلك التنظيم على مستوى المهرجانات، وهذا بعد استقرار الأمور، كما أحاول، دوما، القيام بواجباتي العائلية، باعتباري أما لابنَين (2)، وأمنيتي كبيرة، أن أوفَّق بين عملي الفني والعائلي.
*- بم نختم هذا اللقاء؟
شكرا جزيلا على هذه الفرصة السانحة التي مُنحت لي لأعرض فيها مختلف المحطات ومسيرتي الفنية كممثلة جزائرية في أقطار عربية وأجنبية.