تتميّز القالة بولاية الطارف بموقعها الاستراتيجي الهام الذي يميّزها عن باقي المدن الساحلية الجزائرية الأخرى، باعتبارها البوابة الشرقية للجزائر، وما تتوفر عليه من مواقع ومعالم أثرية مصنّفة وغير مصنّفة، ومن بحيرات وغابات جعلتها قبلة للسّياح من داخل وخارج الوطن خاصة في موسم الاصطياف.
هي مدينة حدودية شاطئية تبعد عن الحدود الجزائرية التونسية بحوالي 15 كلم، وعن مدينة طبرقة التونسية بحوالي 30 كلم، أطلق عليها الفرنسيون تسمية “لاكال”، أي القالة، كونها أول خليج ترسو فيه بواخرهم، وتستقطب سنويا ملايين السيّاح، إلى جانب ذلك، فهي تزخر بمادة ثمينة ونادرة جعلتها الرائدة في إنتاج “المرجان” بالجزائر، ما يمكنها من المساهمة في نمو الاقتصاد الوطني.
الكورنيش القالي: بانوراما ساحرة ليلا إلى ساعات متأخرة
تُعد مدينة القالة من أجمل المدن الساحلية الشرقية بشريطها الساحلي الممتد على طول 90 كلم، بحيث أضحت وجهة سياحية مقصودة بكثرة خلال فصل الصيف من كل موسم اصطياف، كما تُعد شواطئها وجهة عائلية بامتياز، وتشهد إقبالا كبيرا وتوافدا رهيبا للمصطافين والعائلات بترقيم سيارات مختلفة من الولايات الداخلية والجنوبية، ومن خارج الوطن، ترى في القالة الوجهة المفضلة لديهم، ويُعد الكورنيش الجديد بالقالة الذي تم تهيئته، بانوراما ساحرة عند غروب الشمس وأثناء الليل، حيث يتواجد عدد كبير من المصورين الفوتوغرافيين لأخذ صور تذكارية للكورنيش القالي، ويستقبل هذا الجزء من شاطئ “المرجان” برماله الناعمة في كل فصل، آلاف المصطافين والسيّاح، ويكتظ بصفة منتظمة بالمصطافين، ويحصي عددا كبيرا من المركبات المتوقفة على طول طريق الكورنيش، فمنذ ساعات الصباح الأولى، يتأهب الشاطئ لاستقبال جموع المصطافين ممن اختاروا وجهتهم لقضاء يوم مع العائلة والأحباب، فيكتظ بالشباب والكهول والأطفال والنساء والفتيات، حيث تسمع اختلاف اللهجات الجزائرية واللغات الأجنبية، المكان يستقطب الكثير من الزوار والسيّاح، فهو فضاء ساحر بأتم معنى الكلمة، حيث يشهد الكورنيش ازدحاما للزوار والسيّاح إلى ساعات متأخرة من الليل من أجل تخفيف حرارة الجو وقضاء وقت ممتع، وتخليد الزيارات بالتقاط صور جميلة، فجاذبية الكورنيش الجديد تضاهي جاذبية الشواطئ.
سهرات فنية بمسرح الهواء الطلق “عمار العسكري”
تشتهر مدينة القالة بمناظر وبنايات قديمة، ومن أجمل المحطات التي تجذب الزائر مسرح الهواء الطلق “عمار العسكري” الذي أنجز في السنوات الأخيرة، بحيث تسطر له مديرية الثقافة والفنون بولاية الطارف برامج فنية متنوعة، وقد شهد مسرح الهواء الطلق في السنوات القليلة الماضية، تظاهرة “ليالي المرجان” التي تسعى من خلاله مديرية الثقافة إلى ترسيمه، سيما أن شواطئ القالة تزخر بهذه المادة الثمينة النادرة، إذ يعد المسرح فضاء رائعا يتسع لـ 4000 متفرج، وقريب من الكورنيش المطل على البحر الأبيض المتوسط، كما تزيده أمواج البحر المتلاطمة جمالا، جعلت بذلك صيفه رائعا بموسيقى متنوّعة، كما يحتضن مسرح الهواء الطلق “عمار العسكري”، فعاليات المهرجانات الفنية بطبوع تشتهر بها الجزائر، منها البدوي والشعبي والمالوف والموسيقى العصرية الشبابية، أين تتوافد عائلات المصطافين والمحليين ليلا، جماعات جماعات على المسرح للاستمتاع بالطبوع الموسيقية في جو من الأمن والتنظيم من طرف مصالح الأمن ومديرية الثقافة.
وما يجذب السيّاح بمدينة القالة أيضا، “الكنيسة القديمة” التي تُعد معلما أثريا، يعود بناؤه إلى القرن 18 ميلادي، في موقع هام متمركز في كورنيش المدينة، وقد تم تصنيفها كإرث تاريخي، كذلك “الحصن الفرنسي” المتواجد في موقع استراتيجي بأعالي المدينة والمطل على الكورنيش الساحلي لعاصمة المرجان، هو الآخر يعد كنزا أثريا هاما وواجهة سياحية بامتياز.
القالة: عاصمة المرجان
تُعد مدينة القالة من المدن الساحلية الجزائرية الخلّابة، وتزخر إلى جانب سكيكدة، وتنس بولاية الشلف، وعنابة وغيرها، بمادة ثمينة ونادرة “الشعاب المرجانية” التي تشكّل المورد الأساس لنمو الأسماك، ومصدر رزق أغلب العائلات التي تقطن باللؤلؤة الساحرة، إذ تشكّل هذه الثروة موردا هامّا للبلاد ولولاية الطارف أيضا، غير أن عملية نهب وتخريب هذه المادة أدّت إلى انقراض بعض الأسماك مثل الجمبري والمرلون بسبب نشاطات العصابات رغم إحباط عمليات التهريب من طرف مصالح الجمارك وحراس السواحل، والمرجان بالإضافة إلى أنه مفيد للزينة فهو مفيد للصحة، خاصة الدورة الدموية خصوصا في فتح الأوعية الدموية. كما أنه مفيد للجلد، والمرجان عندما يحمله شخص واحد لا يمكن أن يحمله شخص آخر، فهو يُنسب إلى شخص واحد ولا يمكن تداوله بين شخصين، حسب الحرفيين المختصين في صناعة المرجان، فيما يعتقد البعض أن المرجان مفيد للحسد ويجلب الحظ.
يتشكل المرجان على شكل شجيرة، وله عدّة أصناف وأحجام، أما النوع الشائع والأغلى في العالم هو الشكل الدائري، ويتميّز مرجان القالة بالنوع الجيّد والكمية الكبيرة والأحجام الكبيرة.
تدعيم السياحة البيئية في بحيرة “طونغا” ضرورة
تقع بحيرة “طونغا” على بعد 4 كيلومترات من مدينة القالة في ولاية الطارف، بمحاذاة الطريق الوطني رقم 44، تزخر بغابات كثيفة غنية بالأشجار كالفلين والصنوبر البحري، وتأوي أنواعا حيوانية ونباتية مختلفة، صُنفت ضمن التراث العالمي الذي يجب الحفاظ عليه، لمساهمتها في التوازن البيئي، نظرا لما تمتلكه من أسراب الطيور المهاجرة والنادرة، تستقطب فضاءاتها الطبيعية الخلابة طوال فصول السنة السيّاح والعائلات التي تقصدها طلبا للراحة والاسترخاء، وكذا الترفيه والاستكشاف.
“طونغا” اسم إفريقي نسبة إلى قبيلة إفريقية قدمت من النيجر اسمها “طونغا”، وعاشت في فترة زمنية معيّنة بالمنطقة، حسب المرشد السيّاحي، أما عن البحيرة فهي منطقة محمية، تتربّع على مساحة 2600 هكتار، وهي ضمن قائمة المناطق الرطبة ذات الأهميّة العالمية في معاهدة “رامسار سنة 1971” من أجل المحافظة والاستعمال الدائم للمناطق الرطبة عبر العالم، يعود تاريخ البحيرة إلى العصر الجليدي، حيث سمحت الحركة التكتونية من تكوين حوض من الطين النوميدي، وهو منخفض بحيري بحري تحوّل إلى بحيرة ذات مياه عذبة، أما طبيعة المياه فهي مجار ووديان، من وادي الحود جنوبا ووادي العرق شمالا، يبلغ طول البحيرة 7.5 كلم وعرضها 04 كلم، أما متوسط عمقها فيصل إلى 2.20 مترا.
تتشكل بحيرة “طونغا” من جزر متكوّنة أساسا من أشجار الصفصاف الطافية فوق الماء وشطوط مائية ينمو فيها نبات “النوفر الأبيض” وكذلك نباتات مائية أخرى، ومن مميّزات المنطقة أنها ذات أهميّة دولية، كونها فريدة في نوعها على مستوى البحر الأبيض المتوسط، وهي أهم موقع بإفريقيا الشمالية لتعشيش بعض الطيور النادرة، كما تعد ملجأ لأكثر من 20 ألف طائر مائي مشتي، وهي عبارة عن حوض تصبّ فيها الوديان والأمطار.
من أهم النباتات المشهورة في بحيرة “طونغا” والتي لا توجد في العالم، نذكر “النوفر الأبيض”، “مرسيليا ديفيزا”، “السرخس المائي”، “كستناء الماء” و”السوسن الأصفر” ملجأ الطيورّ، فعن “النوفر الأبيض” فهو نبات نادر جدا ومحمي من طرف القانون الجزائري و«اليونسكو”، هو نبات جميل يفتح في الصباح ويغلق في المساء لمدة 10 أيام، ثم يموت ليخلفه نبات آخر، ويعتبر مظلة للطيور.
أما فيما يخص التنوّع الحيواني بها، فبحيرة “طونغا” لها ثروة سمكية هائلة ونادرة مثل “الحنكليس” المفيد لهشاشة العظام، و”كلب الماء” وهو في طريق الانقراض، ويتغذى على أسماك “الحنكليس” أو “الشبوط”، وبخصوص “الطيور المهاجرة” التي تحط رحالها في الشتاء بحثا عن الغذاء، فالبحيرة توفر ظروف المعيشة لها، منها “البط الحر الخضري” المهاجر، بالإضافة إلى أكثر من 100 نوع طائر آخر، أما الطيور المعششة فتأتي في فصل الربيع، كما أن أشجار “السنديان” المعروفة بــ”السرو الأقرع” لا توجد إلا في بحيرة “طونغا” وفلوريدا بأمريكا.
تتميّز بحيرة “طونغا” بالتنوّع البيولوجي، إذ أن من بين 132 نوعا من الطيور المائية يعيش 56 نوعا محميا قانونيا بالبحيرة، كما تأوي البحيرة 10 أنواع من الثدييات، منها 08 أنواع محمية، ومن بين 26 نباتا مائيا موجودا بالبحيرة، 17 منه نادر وجد نادر، أي 65 بالمائة من التراث النباتي، أما الأنواع النباتية النادرة، فإن بحيرة “طونغا” هي الوحيدة التي تتوفر على “مرسيليا ديفيزا”، “السرخس المائي”، “مرسيليا كوادريفوليا” وهو سرخس متكوّن من 04 ورقات متواجد بالضفة الشرقية للبحيرة، وكذا “جيزيا ريبانس” وهو نبات يطفو فوق الماء، ذو غصن متطاول وأزهار كبيرة صفراء، وهناك أيضا نبات “ليدويجيا بليستريس” جد نادر و”كستناء الماء”.
وعن القيمة الهيدروليجية للبحيرة، فإنها تعمل على الحد من الفيضانات وتثبيت الكثبان الرملية الساحلية، أما قيمتها الاقتصادية، فهي صيد السمك، إلى جانب نشاطات فلاحية موسمية كزراعة الفول السوداني، البطيخ الأحمر، الملوخية وغيرها، وفيما يخص التنمية السياحة البيئية، فإنها تتمثل في القيمة البيداغوجية، فالبحيرة تعتبر موقعا مفضلا لترسيخ التربية البيئية، ومن حيث القيمة العلمية، فهي مخبر مفتوح للعلميين والمختصين على المستوى الوطني والعالمي.
وللسياحة في قلب البحيرة، تُنظّم نزهات للعائلات المتوافدة والسيّاح على قارب خاص بمبلغ رمزي، حيث تشهد بحيرة “طونغا” يوميا على مدار السنة إقبال مئات السياح من ربوع الوطن، خاصة في فصل الربيع والصيف، وبالتالي، فإن بيرة “طونغا” بحاجة إلى التفاتة من أجل النهوض بالسياحة البيئية في الجزائر، والتي تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني خاصة، سيّما وللبحيرة مؤهلات سياحية هائلة لا توجد في مناطق العالم، وهي كنز مصنف ضمن التراث العالمي.
وردة زرقين
وردة زرقين