العنقاء للثقافة

مجلتك الثقافية

مجتمع

“مسك الغنائم”.. سياحة.. فن.. تراث وتعدّد إبداعي”

عرفت مستغانم حقبات تاريخية وحضارات مختلفة، وهي بذلك تُعتبر مفترق الثقافات، فهي تمتاز بالزوايا والأضرحة للأولياء الصالحين، بحيث تشهد الولاية في كل سنة، تظاهرة وعدة سيدي لخضر بن خلوف، مهرجان الشعر الملحون، مهرجان مسرح الهواة وغير ذلك، كما أنها تمتاز بأشكال سياحية تؤهلها لأن تصبح قطبا سياحيا بامتياز، مما يشجّع الاستثمار السياحي في المنطقة، فولاية مستغانم تتمتع بجمال رائع، لما تزخر به من مواقع سياحية خلابة ومواقع تراثية وآثار متنوعة، بالإضافة إلى عشرة شواطئ عذراء، تمزج بين السياحة الدينية والحموية والجبلية، وتنام “مسك الغنائم” بين زرقة البحر وخضرة الطبيعة، حيث تعاقبت عليها الحضارات نظرا لموقعها الإستراتيجي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، مما جعلها تشهد زخما ثقافيا، بالتالي أصبحت قبلة للزوار من شتى ربوع الوطن وحتى من خارجه.

تعتبر ولاية مستغانم من أهم المدن الساحلية بالجهة الغربية، لما تمتاز به من مؤهلات، تجعلها محل أنظار واهتمام السيّاح، خصوصا خلال فصل الصيف، حيث تشهد توافدا كبيرا للمواطنين من مختلف ربوع الوطن، فمستغانم هي “الكل المتكامل”، وتملك مؤهلات سياحية وثقافية بالنظر إلى الإقامة والتهيئة وفتح الشواطئ والمسالك والمشاريع الكبرى التي أنجزت بها مؤخرا، بلغت حوالي خمسة فنادق كبيرة بمقاييس دولية، كما توجد بها مُركّبات ومنتجعات سياحية من الطراز الرفيع والمميز، من شأنها أن تجعل من مستغانم قبلة ووجهة سياحية واعدة، والارتقاء بها إلى مصاف المدن السياحية العالمية، خاصة أن الدولة تبذل جهودا كبيرة في هذا المجال

السياحة الشاطئية: شريط ساحلي على طول 124 كلم

تزخر ولاية مستغانم بسواحل رملية، حجرية وحصوية، ويمتد شريطها الساحلي من شاطئ سيدي منصور المجاور لولاية وهران، إلى شاطئ بحارة مع حدود ولاية الشلف، وهي شواطئ خلابة، حيث يتوافد عليها ملايين المصطافين من الولايات الداخلية، الصحراوية ومن خارج الوطن، فمستغانم ولاية سياحية بامتياز، لتوفرها على بشريط ساحلي طوله 124 كلم، وتضم 55 شاطئا، منها 28 شاطئا مفتوحا للسباحة كشاطئ صلامندر، صابلات، ستيديا، سيدي منصور وغيرها، والباقي شواطئ ممنوعة السباحة فيها.

تعرف الولاية إقبالا كبيرا للسيّاح في فصل الصيف، يصل عددهم في بعض الأحيان إلى 11 مليون مصطاف، وتتوفر مستغانم على 29 مؤسسة فندقية بسعة استيعاب تقدّر بـ 2585 سريرا، وكانت فيما مضى تعاني من نقص في عدد الأسرّة، فيما تمت الموافقة في السنوات القليلة الماضية، على 16 منطقة توسّع سياحي في مجال الاستثمار السيّاحي والمرتبط مباشرة بالعقار السياحي، باعتبار المنطقة لها خصوصية سياحية، أما عدد المشاريع المسجلة فقد بلغ، 57 مشروعا، بعضها تم الانتهاء منها ودخلت حيّز الخدمة، وأخرى، في طور الإنجاز بعدد للأسرّة قُدر بـ 9555 سريرا، وتتمركز هذه المشاريع خاصة في منطقة الصابلات، كما بلغ عدد الملفات التي أودعت للاستثمار السياحي على مستوى الولاية، 102 ملفا، خاصة أن الدولة ترافق وتدعّم الاستثمار السياحي فيما يخص العقار السياحي.

في سنة 2016، استفادت الولاية في 2016 من خط بحري يربط مدينة مستغانم بمدينة فالنسيا الإسبانية، وهو خط مفتوح على أوروبا، وعرف إقبالا كبيرا للمغتربين في أوروبا، والذي أضاف للولاية قفزة في توافد السيّاح عليها.

نشير إلى أن صناعة الزرابي تعد من أهم الصناعة التقليدية في مستغانم، وهي صناعة أصيلة، من خلال تكوين الحرفيين والحرفيات في إطار إحياء الحرفة، إلى جانب الفخار واللباس التقليدي النسوي.

الزوايا والأضرحة تستقطب السياح

توجد مجموعة من الزوايا والأضرحة للأولياء الصالحين بولاية مستغانم، منها الزاوية العلوية، العيساوية، السنوسية، البوزيدية، التيجانية وغيرها، ويتجلّى ذلك من خلال الأضرحة الموجودة على مستوى الولاية، والتي تجلب السيّاح خلال الوعدات، منها خاصة وعدة سيدي لخضر بن خلوف، والتي أصبحت مهرجانا لمدة أسبوع كامل تحضّر فيها أكلة “الطعام”، التي تعبّر عن عادات وتقاليد المنطقة، إلى جانب طعام سيدي بلقاسم، طعام سيدي بن دهيبة وطعام سيدي شارف، كما عرفت هذه الزوايا نقلة نوعية في السياحة بتنظيم ملتقيات وطنية ودولية، مثل الملتقى العالمي الذي نُظم حول الطريقة الصوفية، إذ تجلب هذه المناسبات السيّاح من مختلف ولايات الوطن، فولاية مستغانم مدينة غنية جدا بالمعالم الأثرية، التي هي رمز للحضارات التي مرّت على المنطقة، نذكر منها، ضريح الولي الصالح “سيدي لخضر بن خلوف”، الذي هو القبلة الأولى للزوار الذين يتوافدون بأعداد هائلة من داخل وخارج الولاية وحتى من خارج البلاد، فديوان شعر سيدي لخضر بن خلوف شكّل على مر العصور مصدر إلهام عشرات مطربي الغناء الشعبي في الجزائر، بحيث تتنوّع الطبوع الغنائية في مستغانم من الشعبي، الأندلسي والبدوي، فهي ولاية غنية بالعديد من الزوايا والأضرحة التي ألهمت وجلبت فرقا موسيقية روحانية، منها العيساوة عند النساء والمداحات بغناء القصيدة في الطابع الشعبي والأندلسي، والخاصة بقصائد مداح الرسول صلى الله عليه وسلم سيدي لخضر بن خلوف، وكذا الغناء البدوي الخاص بالشيخ حمادة رحمه الله.

المعالم الأثرية مرآة الحقبات التاريخية

إن كل حضارة مرّت على هذه المنطقة تركت آثارا بارزة، تجلّت في المعالم المعمارية، فمستغانم لها تاريخ عريق وثقافة أصيلة، ولها عدد من المواقع الثقافية والتاريخية ذات قيمة كبيرة، نذكر منها:

المسجد العتيق الذي تأسس في 1340 من طرف السلطان أبي الحسن بن عثمان، والذي عرف تغييرات، وتم ترميمه في 1998، ثم تم تصنيفه من طرف وزارة الثقافة.

دار القايد التي تحوّلت إلى متحف للفنون الشعبية وكانت الإقامة الخاصة لممثل الباي لمعسكر المعروفة بدار حميد العبد، التي أسسها حميد العبد، وهو أمير البايلك في العهد العثماني، وكانت تسمى “دار المفتي”، وكان يسكنها مفتي مستغانم قارة مصطفى

دار الشعراء وهو قصر الشعراء، تأسس في 1732 بأمر من الباي محمد الكبير الذي كان أحد إشعاعات الشعراء والمثقفين.

حصن العرصة الموجود بأعالي مدينة مستغانم في الأحياء القديمة لها

بالإضافة إلى ذلك، توجد 4 متاحف تحافظ على الذاكرة التاريخية المتعلقة بتاريخ مستغانم، وهي:

متحف المجاهد المتواجد بساحة الثورة

متحف باي بوشلاغم وزوجته لالة عيشوش

متحف دار القايد الخاص بالفنون الشعبية

المتحف الجهوي بنواحي الخروبة، خُصص للمحافظة على القطع الأثرية والأعمال الفنية التي شهدتها المنطقة الغربية للبلاد خلال الحقبات التاريخية

ناهيك عن منارة كاب إيفي، أحياء تيجديت، المطمور والطبانة التي تشبه حي القصبة بالجزائر العاصمة، الميناء القديم بمنطقة البحارة، ودار بلدية مستغانم وصومعتها


طبيعة عذراء ومتنوّعة

تستقطب ولاية مستغانم ملايين السيّاح سنويا لما تمتاز به من طبيعة عذراء وخلابة، فبغض النظر عن الشريط الساحلي، فهي تضم مساحات كبيرة من الأشجار، فأزيد من 14 في المائة من مساحتها، يضم غابات الكاليتوس والصنوبر، منها غابة ستيديا، سوافلية، زريفة، سيدي منصور، كاف لصفر، شاوشي ورمضان، وبالإضافة إلى ذلك، توجد بها بحيرة “المقطع” التي تتربّع على مساحة 23 ألف هكتار، وهي مصنّفة كمنطقة محمية وتقع بغرب الولاية، وهي من بين المناطق الرطبة القليلة في الغرب الجزائري، توفر طاقة كبيرة في مجال السياحة العلمية والبيئية، وهي بذلك تعتبر الملاذ المثالي للعديد من الطيور المهاجرة مثل الحجل، البجع وأنواع أخرى من السمك.

أما بخصوص الغابات، فولاية مستغانم تزخر بغابات جميلة جدا، كغابات السداوة، بن عبد المالك رمضان، الشواشي، سيدي منصور، الصفصاف وغيرها، إلى جانب ذلك، فالولاية توجد بها مغارات عديدة، نذكر منها، مغارة الكاف لصفر، ماسري وعين نويصي، ناهيك عن الشلالات الرائعة.


استمرارية للمحافظة على الفن

تشهد ولاية مستغانم زخما ثقافيا من حيث الفن التشكيلي، بالنظر إلى الفنانين التشكيليين الموجودين بها، وكذا مختلف أنواع الموسيقى، منها العيساوي، القناوي، الحوزي، الأندلسي، الطرب الشعبي، العصري، الروك، وكل ما يتعلّق بالشباب الذين أثبتوا أنهم امتداد للجيل السابق، فالحركة الموسيقية في مستغانم متأصلة، ولها من الشباب والمدارس الموسيقية، منها جمعية “الفن والنشاط”، وهي مدرسة في الفن الأندلسي والشعبي، وكذا مدارس وجمعيات أخرى تنشط في شتى المجالات، وتعد مستغانم إحدى قلاع الطرب الأندلسي، الذي لا زال محافظا على قوّته بفضل وجود جمعيات أخذت على عاتقها إرساء قواعد هذا النوع من الطرب، وفي مجال الشعبي الذي يعد مصدرا تراثيا كبيرا، تعتبر مستغانم مدرسة رائدة لهذا الطرب، على رأسه الشيخ معزوز بوعجاج، ناهيك عن الطرب البدوي أحد مقومات تراث الولاية، على رأسه الشيخ حمادة عميد الأغنية البدوية، كما تعتبر مستغانم عاصمة الفن الملحون، بحكم أنها أنجبت فطاحل الفن الملحون، مثل مداح الرسول (عليه الصلاة والسلام) “سيدي لخضر بن خلوف”، إذ عمد المنظمون كل سنة وبتضافر الجهود، إلى تكريم واحد من القامات الكبيرة من الشعر الملحون.

تملك مستغانم مسرحا للهواة يعود ظهوره إلى أوائل الثلاثينات، حيث خطا هذا الفن خطوات عملاقة بفضل أبطال، يتقدمهم ولد عبد الرحمن كاكي، والجيلالي ولد عبد الحليم، في هذا الصدد، وتسجّل بذلك، مستغانم دائما حضورها في المسرح، ولها من الفرق الهاوية ما تعدّى صيتها في الخارج، أما الحديث عن السينما، ما دام المسرح أب الفنون، فإنه لا يخلو أي عمل سينمائي إلا ويتضمّن أسماء من مستغانم من فنانين وممثلين، والدليل على ذلك فيلم “آخر زمان” لياسمين شويخ الذي أحصى الكثير من الجوائز، وقد صورت أحداثه بمستغانم، وحوالي 70 بالمائة من الفنانين الذين مثلوا في هذا الفيلم من مستغانم.

إبداع متعدّد الألوان

تتعدد بولاية مستغانم الألوان الثقافية، حيث يتم تنظيم سنويا مهرجانات وطنية ودولية تشهد توافدا غزيرا من عائلات شغوفة بالفن المعبّر عن الإبداع الخالص، وقد تم تأسيس عدد كبير من المهرجانات بها، لاسيما أنها أصبحت لها مؤهلات تجعلها في مصاف الولايات التي تحتضن هذا النوع من اللقاءات والتظاهرات.

مشروع للحفاظ على التراث التاريخي

تشتهر مستغانم كباقي المدن الجزائرية، بموروث شعبي توارثته الأجيال، لما له من دور كبير في التكوين الاجتماعي للسكان، ويتجلى ذلك في العديد من العادات والتقاليد. ومستغانم بكل ما تملك من مؤهلات، سيكون لها شأن كبير، فهي أرض الزوايا والأضرحة والمشايخ والوعدات والفنتازيا، حيث تشمل على العديد من أضرحة الأولياء الصالحين، وكانت في القديم عبارة عن زوايا لتلقين العلوم الإسلامية وحفظ القرآن، كضريح “سيدي عبد القادر الجيلاني”، “سيدي لخضر بن خلوف”، “أحمد بن مصطفى العلاوي” وغيرهم، بالإضافة إلى المأكولات التي تزخر بها الولاية والتظاهرات الشعبية والثقافية التي تُنظم، منها ركب “سيدي لخضر بن خلوف” ووعدة “السمارة” ببلدية حجاج، كما تزخر ولاية مستغانم بالعديد من الأماكن والمعالم الأثرية التي تشهد على فترة من فترات تاريخية عاشتها المنطقة، وتتمثل في الجامع “المريني العتيق” الذي يقع بحي “الطبانة” أيضا حي “تيجديت”، حيث تعتبر قصبته من أقدم الأحياء الجزائرية.

مستغانم مدينة الفن والثقافة

لا تخلو عائلة مستغانمية من فنان، حيث تخرجت أسماء فنية كبيرة من مستغانم، والفرق الفنية الكبيرة ظهرت في فترة السبعينات، وحسب الدراسات الأنثروبولوجية، فإن الأحياء الشعبية من شأنها أن يتخرّج منها الكثير من الفنانين، وحي “تجديت” بمدينة مستغانم، تقريبا أغلبية الفنانين من هذا الحي الشعبي، بالتالي، فإن مستغانم كانت ولازالت مصدر إلهام وإبداع لأبنائها وزوارها، حتى تحوّلت إلى مدينة الفن والثقافة، هي ليست مدينة سياحية فحسب، بل تاريخية، هي الآن تسترجع ماضيها في شهر التراث، لما لها من تراث حضاري وإرث ثقافي متراكم منذ ما قبل التاريخ.

وردة زرقين