العنقاء للثقافة

مجلتك الثقافية

سينما

عثمان عريوات: أسطورة السينما الجزائرية

ظاهرة نادرة يستحق أن يكون مرجعا في الأكاديميات السينمائية

يعتبر من الوجوه الفنية المحسوبة على الجيل الثاني للسينما الجزائرية، يملك موهبة ربّانية رهيبة جعلته يحظى بحبّ الصغير والكبير، قدّم أعمالا اجتماعية وكوميدية وتاريخية وسياسية، بقيت راسخة في السينما الجزائرية، ومحفوظة في ذاكرة الجزائريين إلى يومنا هذا، استطاع من خلالها، أن يرسّخ اسمه في عالم التمثيل التلفزيوني والسينمائي، على غرار “بوعمامة” (1983)، “الطاكسي المخفي”(1989)، “عايلة كي الناس”(1992)، “كرنفال في دشرة”(1994)، “امرأتان” وغيرها، وصولا إلى “سنوات الإشهار” الممنوع من العرض، إنه الفنان الجزائري الكبير عثمان عريوات.

ولد الفنان عثمان عريوات في 24 سبتمبر 1948 بمنطقة الأوراس، بالضبط بـ”أمدوكال” التابعة لولاية باتنة بالشرق الجزائري، مكث فيها 10 سنوات، ثم توجّه برفقة عائلته إلى الجزائر العاصمة، ليدخل المجال السينمائي من أوسع أبوابه في ثمانينيات القرن الماضي، شارك في أكثر من 15 فيلماً، حمل فيها مفهوما راقيا للفن، وأول عمل دشّنه في مجال التمثيل، كان بعد الاستقلال، بفيلم “النتيجة” سنة 1963، فيما بدأت شهرته تتجسّد بتقمّصه شخصية تاريخية “الشيخ بوعمامة” في فيلم سينمائي “الشيخ بوعمامة” سنة 1983، وهو أحد أبرز قادة المقاومات الشعبية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1881– 1882)، أخرجه بن عمر بختي للتلفزيون الجزائري الحكومي، ونال الميدالية الذهبية عام 1985 في الأسبوع الثقافي بالاتحاد السوفياتي، واعتبر النقّاد، الفيلم الكوميدي “كرنفال في دشرة”أي (مهرجان في قرية صغيرة)، علامة مسجّلة باسم الفنان عثمان عريوات، إذ حقق الفيلم نجاحا باهرا بعد عرضه على التلفزيون الجزائري في تسعينيات القرن الماضي بالتزامن مع الأزمة الأمنية والسياسية والاقتصادية التي ضربت الجزائر، كما صنع فيلم “عايلة كي الناس” شهرة كبيرة، وآخر عمل لعثمان عريوات كان فيلم “سنوات الإشهار” الذي استغرق سنوات طويلة لإنتاجه، واضطر فيه إلى تغيير العنوان لأكثر من مرّة، لكن الفيلم لم يُعرض رغم الانتهاء من تصويره سنة 1999، تقمّص فيه الممثل الجزائري دور ضابط سامي برتبة جنرال سابقا، وقد يكون هذا السبّب في قراره بالمقاطعة الفنية والإعلامية للفن، حسب المتتبّعين، وغاب “جنرال السينما” كما يسمّيه البعض، عن الأنظار لسنوات طويلة، ورُوّجت إشاعات حول وفاته، وكان آخر ظهور إعلامي رسمي لإيقونة الفن الجزائري في حصة بالتلفزيون العمومي سنة 1992، وظل عثمان عريوات يرفض التصريح لأية وسيلة إعلامية منذ عدّة سنوات، ورغم ابتعاده عن الشاشة، لم يؤثر ذلك على شعبيته، لقد أظهر المبدع قدرات كبيرة في أداء أدوار باللغة العربية الفصحى والدارجة الجزائرية، حيث أضحك وأمتع جمهوره بمصطلحات من أعماله السينمائية لا يزال الجزائريون يتداولونها عند انتقاد أي شيء أو السخرية منه، وهي مستمدّة من بيئته وأصوله العربية من شرق الجزائر، بأسلوب كوميدي هادف مليء بالرسائل المشفّرة.

ورغم النجاح الباهر الذي حققه، لم يعد جنرال الشاشة الجزائرية الاهتمام بالفن، وغاب لمدة تقارب 3 عقود، حيث رفض الظهور في أي أعمال تلفزيونية أو سينمائية أو مسرحية رغم العروض الكبيرة والمغرية التي تنهال عليه إلى اليوم، فهو يعتبر الفن رسالة هادفة، ما جعله يرفض المشاركة في عروض سينمائية لا تتوافق مع هذه الرسالة، ورغم تواضعه المادي والاجتماعي أيضا، فقد رفض إمبراطور الكوميديا الجزائرية،  عرضا ماديا مغريا قيمته 30 مليون دينار جزائري (أكثر من 220 ألف دولار)، مقابل التقاط صورة واحدة فقط له لاستعمالها في إعلان ترويجي، ما أثار إعجاب الجزائريين الذين أشادوا بموقفه.

في سنة 2019، أعلن التلفزيون العمومي الجزائري استعداده لعرض فيلم “سنوات الإشهار” ما جعل عريوات يعلن بعدها، قرب عرض الفيلم الذي جُمّد قرابة عقدين من الزمن، بسبب خلافات تتعلّق بالرقابة، حسب بعض التقارير، ونشر تغريدة على حسابه عبر موقع “انستغرام” معلنا لمحبّيه وجمهوره أن “سنوات الإشهار” سيعرض قريبا، دون أن يعطي تفاصيل أكثر، وتفاعل الجمهور العريض من الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع الظهور المفاجئ للنجم عريوات، مطالبينه بالعودة إلى الشاشة. 

رغم عطائه الفني الكبير، لم يحظَ عريوات بتكريمات في مساره، إلا عام 2020، بمنحه “وسام الاستحقاق برتبة “عشير”، وهو التكريم الأول من نوعه، حيث وقّع رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، مرسوما رئاسيا نُشر بالجريدة الرسمية رقم 40، تضمّن المرسوم رقم 20-169، منح وسام من درجة “عشير” من مصف الاستحقاق الوطني للممثل عثمان عريوات المعروف بأدواره المميّزة في العديد من الأفلام  الجزائرية، تكريما لمسيرته الفنية الطويلة، ويعتبر وسام بدرجة “عشير” من مصف الاستحقاق، سابقة لردّ الاعتبار، منحها الرئيس الجزائري لـ”مخلوف البومباردي”، وهي المبادرة التي استحسنها العديد من الفنّانين والمواطنين على حد سواء،  وهكذا أعاد الرئيس الجزائري الاعتبار للفنان القدير  نظير مساره الفني، بعد 3 عقود من التهميش، كما رسم الفنان التشكيلي مكي دفاس المتخصّص في فن الغرافيتي، صورة للممثل عثمان عريوات تزيّن أحد الجدران، بالقرب من مبنى البريد المركزي أشهر ساحة بالجزائر العاصمة.

ويأمل الجمهور الجزائري عودة العملاق عثمان عريوات إلى الساحة الفنية من الباب الواسع، باعتباره مدرسة في التمثيل وظاهرة نادرة لا تتكرّر، لتقديم أعمال جديدة تنافس تلك التي قدّمها بكل أحاسيسه، وتترجم حياة المجتمع الجزائري.

قالوا عن عثمان عريوات:

*- الفنانة نسرين بلحاج: مهما تحدثنا ومهما قلنا، تبقى الكلمات صغيرة وقليلة في حق فنان كبير بحجم عثمان عريوات، والفنان الذي كتب اسمه من ذهب، ثم غاب لعقود من الزمن، وبقي في ذاكرة محبّيه وجمهوره، هو “عملاق” بأتم معنى الكلمة.

*- الفنان عبد الحق بن معروف: عثمان عريوات هو أحد العمالقة الذين يولدون كل قرن، هو محبوب الجماهير بامتياز، و”كعبة وحدة”.

*- الفنانة هدايات محقون: من منا لا يحب عثمان عريوات؟ كبرنا بأفلامه، أحبّ أعماله وطريقة تمثيله، هو فنان محترم وملتزم، همّه الوحيد الفن وليس الشهرة أو المال.

*- السيناريست ومدير مهرجان كردادة نورالدين برابح: عثمان عريوات نجم من نجوم السينما، يمتاز بشخصية قوية وثقة بالنفس، ولا يعتمد على الاقتباس في تقمّص الأدوار، فهو يصنع التميّز في الكوميديا بطريقة عفوية تشبه حياة المجتمع الجزائري، وعباراته رسالة فنية بسيطة وقوية، ما ينعكس على عفويته في التمثيل، والفنان مهما نصفه لا يكفي وصفه، يعشقه الشعب الجزائري، ويستحق أن يكون مرجعا في الأكاديميات السينمائية.

وردة زرقين